محادثات إيكس ليبان التاريخ المظلم الحلقة الخامسة
بعد غياب عن قرائي و أسئلتهم المتعددة حول الغياب، ها أنا أعود و العود
أحمد، بموضوع جديد تتمة للحلقة الخامسة من موضوع
"محادثات إيكس ليبان التاريخ المظلم"، و أقف بالظبط على مجريات المباحثات
التي تمت من 22 _27 غشت 1955، التي من خلالها إجتمعت اللجنة الوزارية الفرنسية بالوفد
المغربي و تباينت الرؤى بين إبقاء ابن عرفة كسلطان أو تعيين رجل ثالث او تشكيل مجلس
العرش، ثم من كان متشبثا بعودة الملك محمد الخامس إلى عرشه و رفض الحلول الأخرى.
ففي بادئ الأمر إستمعت اللجنة الوزارية الفرنسية للحاج محمد المقري يوم
22 غشت حيث صرح بانه لا يتمسك بإبن عرفة، ذاكرا ان هذا الأخير لا يتمتع بأذنى شعبية،
و ان الذي يشجعه على البقاء هو عبر الرحمان الحجوي رئيس تشريفاته، و قال إن في إمكان
الهيئة المخزنية أن تجتمع و تقرر خلع ابن عرفة إذا أصر على البقاء ( 1).
ثم جاء دور التهامي الكلاوي و هو من مخزن ابن عرفة و تدخل يوم 23 غشت، و
كان تصريحه القصير قاطعا حينما قال على أن فرنسا أن تعلن رسميا عدم عودة محمد بن يوسف
و أبناءه إلى العرش، هذاا هو الشرط الوحيد الذي إشترطه لانفذ تعليمات فرنسا، و لو الإصلاحات
اتخدت بعد ذهاب ابن يوسف لما وصلت الحالة إلى ما هي عليه ( 2).
و في نفس اليوم تدخل محمد الناصري و هو من الموظفين الساميين في عهد الحماية
و صرح قائلا: " لقد انحيتى أمام القرار _ قرار خلع محمد الخامس_ لكن كان يجب تطبيق
الإصلاحات فورا، محمد الخامس أصبح يعتبر بطلا و شهيدا بعد نفيه، يجب ان يذهب ابن عرفة،
ينبغي ان يسوي كل شيء بالإتفاق مع فرنسا، إن كثيرا من أعدائنا يأتون من المنطقة الإسبانية
" ( 3).
ثم استمعت اللجنة إلى ممثلي الاحزاب السياسية بالمغرب و أولهم عبد القادر
بن جلون المتحدث باسم حزب الشورى و الإستقلال، فصرح بان ابن يوسف أصبح رمزا للسيادة
المغربية، و تعلقا بشخصه إنما هو تعبير عن احتجاجنا على انتهاك هده السيادة، و حزب
الشورى و الإستقلال يردد صدى المقاومة المغربية التي تناضل في سيل السيادة والإستقلال،
و السلطان من هذه الزاوية هو الحارس الأمين للدولة المغربية و رمزها ( 4).
و في هذا الصدد يقوق الأستاذ الشرقاوي المتحدث بإسم وفد الشورى في شهادته
: عرضنا كان مركزا على الإتفاق الذي كان بيننا و بين غراندفال : إبعاد ابن عرفة، و
تكوين بمجلس العرش، و عودة محمد الخامس إلى فرنسا، و تكوين حكومة مؤقتة لإدارة الشؤون
إلى أن يعود محمد الخامس على ألا تشارك الأحزاب في هذه الحكومة( 5).
و يعود الشرقاوي ليصف الحالة التي كانت عليها اللجنة الوزارية أثناء المباحثات
و بدأ ب_ "بيني" الذي كان متعصبا و لم يقبل منه أن يستعمل السلطان ابن يوسف
و المتسلط ابن عرفة، حتى أنه أوقف الجلسة بسبب هذه الكلمات، أما " إدكارفور"
فقد كان تاكتيكيا ذكيا، و كان " روبير شومان" يبدي تفهما كبيرا، و
" كوينغ" كان ذا عقلية عسكرية و لكنها أبوية، أما " جولي" فقد
كان موقفه مطابقا لموقف " إدكارفور" (6)
و في يوم 25 غشت تحدث عبد الرحيم بوعبيد بإسم حزب الإستقلال أمام لجنة المتابعة
الوزارية قائلا: " إن ابن يوسف يمثل المغرب في أعين الشباب و النساء و هو ما لا
تستطيعون تغييره أيها السادة، و حزب الإستقلال لن يقبل مبدأ قيام مجلس العرش إلا إذا
وافق عليه محمد ابن يوسف، على أن المسألة الأساسية لا تكمن في هذا الأمر، المسألة الأساسية
هي العلاقات المغربية الفرنسية.....كا نريد ان نصبح دولة حرة ذات سيادة بمساعدة فرنسا،
و نحن مستعدون أن نحترم المراحل التي تقتضيها الظروف، إن الإستقلال لا ياتي اليوم أو
غدا، إن غاية نضالنا هي الإستقلال، فإذا لم يكن بوسع فرنسا ان تمنحه لنا، فلا أقل من
نعترف بتوجيه المغرب نحو هذا الإستقلال" (7).
و قد علق
P.GULY على تدخل عبد الرحيم بوعبيد ممثل حزب الإستقلال بقوله
" لقد أثر هذا الكلام الموزون في A.PINAY وزير الخارجية الذي كان يرفض إستقبال القتلة
و أعداء فرنسا ( و يعني حزب الإستقلال و من
يمثله (8).
و قد أدلى أمام اللجنة الفرنسيةتمثل العلماء السيد عبد الحي الكتاني يوم
26 غشت معلنا عن تمسكهم بعودة محمد الخامس الشرعي إلى عرشه مما أثار غضب وزير خارجية
فرنسا " أنطوان بيني" في ممثلي العلماء قائلا: " انتم الدين خلعتم محمد
بن يوسف عن العرش، فكيف تطالبون بعودته ؟ " فأجابه أحدهم : " نعم ! و لكن
الذين طلبوا منا إصدار الفتوى كانوا على أكتافهم البندقية"(9).
و في يوم 27 غشت وهو اليوم الأخير من المباحثات، عادت اللجنة الوزارية الفرنسية
و إستدعت ممثلوا حزب الإستقلال في شخصي عمر بن عبد الجليل و المهدي بن بركة، اللذان
ظلا متمسكان بمطلب الإستقلال و عودة السلطان الشرعي للبلاد، و طالب المهدي بن بركة
و بصورة خاصة بضرورة الحصول على " تصريح يؤكد الوحدة السيادة المغربية" و بضرورة البحث بالمباحثات
عن الإطار الجديد للعلاقات الفرنسية _ المغربية_ فلم تمانع اللجنة الوزارية في ذلك
كله، و اتهت المشاورات في اليوم الموالي 28/8/1955، في جو يحمل على التفاؤل (10).
من كل هذا و ذاك، فإن كمة الحزبين الوطنيين ( حزب الإستقلال و حزب الشورى
و الإستقلال) و العلماء إتفقت غلى مطلب الإستقلال و عودة محمد الخامس إلى عرشه، و بالتالي
معارضتهم لمطلب الكلاوي، و هو ما أدى بهذا الأخير إلى الشعور باليأس و الإحباطو هو
ما أكده الأستاذ عبد الصادق و هو ابن الكلاوي ان الباشا شعر في مؤتمر " ايكس ليبان"
( و قد صاحبه في رحلته تلك ابنه إبراهيم )
بأن الفرنسيين تخلوا عن ابن عرفة، و قد شعر بأزمة نفسية حادة، لم يعد للحكم معها طعم
عنده، و لم يعد يقوم بوظيفته كباشا ( 11).
و بالتالي ساهمت كل التدخلات و خصوصا تدخلات الأحزاب السياسية الوطنية في
تغيير موقف و أراء الوزراء الفرنسسين الذين كانوا يقفون موقف عداء من القضية المغربية
و مشكلة العرش، بالإظافة إلى إقناع اللجنة بعدم صلاحية ابن عرفة كسلطان شرعي للمغرب،
و بمكانة محمد بن يوسف عند المغاربة و استحالة القيام بأي تسوية للمشكلة القائمة دون
الحصول على موافقته، و لاحت في الأفق مبادئ و مقترحات عامة تصلح لتسوية المشكل.
الهوامش
:
1 _ كرندفال ( جلبير)، أسرار مهمتي بالمغرب، م،س،
ص: 300.
2 _ الزهيري( قاسم)، محمد الخامس الملك البطل،
جريدة الإتحاد الإشتراكي، الأربعاء/ الخميس 18/19/1955 نونبر، 2009، العدد 9330، ص:
8.
3 _ غلاب ( عبد الكريم )، تاريخ الحركة الوطنية......،
ج2، م،س،ص : 333.
4 _ الزهيري ( قاسم)، محمد الخامس الملك البطل،
الإتحاد الإشتراكي، الأربعاء / الخميس 18/19 نونبر 2009، م،س، ص : 8.
5 _ نفسه، ص : 8.
6 _ غلاب ( عبد الكريم )، تاريخ الحركة الوطنية.....،
ج2، م،س، ص : 282.
7 _ نفسه، ص : 282.
8 _ الزهيري ( قاسم )، محمد الخامس الملك البطل،
الإتحاد الإشتراكي، الأربعاء، الخميس 18/19 نونبر 2009، م،س، ص : 8.
9 _ الشاوي ( عبد القادر)، حزب الإستقلال........،
ص : 38-39.
10 _ رشد ( عبد الله)، كفاح المغاربة في سبيل الإستقلال.......،
م،س، ص : 167.